الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
2- حكم القذف: قذف المحصن والمحصنة حرام، وهو من الكبائر، والأصل في تحريمه الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور 4]، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور 23] وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه. وأما الإجماع فقد نقله ابن قدامة، فقال: (وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن، إذا كان مكلفا). 3- مواضع يجوز فيها القذف: ذكر البهوتي أن القذف محرم إلا في موضعين: أحدهما: أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه؛ زاد في الترغيب والرعاية ولو دون الفرج؛ وفي المغني والشرح: أو تقر به أي بالزنا فيصدقها، فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزاني فيجب عليه قذفها لأن نفي الولد واجب، لأنه إذا لم ينفه لحقه وورثه وورث أقاربه وورثوا منه ونظر إلى بناته وأخواته ولا يمكن نفيه إلا بالقذف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ويجب نفي ولدها؛ لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزنا لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطء وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولم يدخلها الله في جنته»، ولا شك أن الرجل مثلها، وفي المحرر وغيره وكذا لو وطئها الزوج في طهر زنت فيه، وظن الولد من الزاني لشبهه ونحوه وجزم به في المنتهى، وفي الترغيب نفيه أي الولد، محرم مع التردد في كونه منه أو من غيره لأن الولد للفراش. والموضع الثاني: أن يراها تزني ولم تلد ما يلزم نفيه أو يستفيض زناها في الناس أو أخبره به، أي بزناها ثقة أو يرى الزوج رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها زاد في الترغيب خلوة فيباح قذفها، لأنه يغلب على ظنه فجورها، ولا يجب، لأنه يمكنه فراقها، وفراقها أولى من قذفها، لأنه أستر ولأن قذفها يلزم منه أن يحلف أحدهما كاذبا أو تقر فتفتضح. 4- أركان القذف: للقذف ثلاثة أركان هي: القاذف، والمقذوف، والقذف بالزنا لفظا أو شهادة؛ ولكل ركن شروط على النحو التالي: * الركن الأول: القاذف: القاذف: هو الذي يقوم برمي الحر المسلم المحصن بالزنا أو اللواط ولم يكن له بينة، أو يشهد عليه بأحدهما- ولم يكتمل نصاب الشهادة- ويشترط الفقهاء في القاذف سواء أكان ذكرا أم أنثى، حرا أو عبدا، مسلما أو غير مسلم شروطاً منها: 1- الأهلية المتمثلة في البلوغ والعقل والاختيار. 2- أن لا يكون والدا للمقذوف: لأن عقوبة القذف حق لآدمي فلا تجب للولد على والده كالقصاص. 3- أن يعجز عن إحضار أربعة شهود على ما قذف به. 4- أن لا يصدقه المقذوف. * الركن الثاني: المقذوف: يشترط الفقهاء في المقذوف رجلا كان أو امرأة شروطاً منها: 1- البلوغ (وليس على إطلاقه، بل متى ما أمكن الوطء عادة، كابن عشر سنين). 2- العقل. 3- أن لا يكون ولدا للقاذف. 4- أن يكون محصنا. والإحصان في القذف: العفاف، واجتماع صفات في المقذوف تجعل قاذفه مستحقا للجلد. قال ابن قدامة رحمه اله: (والمحصنات هاهنا العفائف. والمحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان؛ أحدها هذا. والثاني: بمعنى المزوجات، كقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء 24]، وقوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء 25]. والثالث: بمعنى الحرائر، كقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء 25]، وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة 5]؛ وقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء 25]. والرابع: بمعنى الإسلام، كقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء 25]؛ قال ابن مسعود: إحصانها إسلامها. وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف المحصن، إذا كان مكلفا). * الركن الثالث: القذف بالزنا لفظا أو شهادة: يشترط لجريمة القذف أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا، أو يشهد عليه به، ويشترط في ألفاظ القذف أن تكون صريحة، أو كناية يعجز القاذف عن تفسيرها.مثال الألفاظ الصريحة قوله: يا زاني، يا لوطي، يا عاهر، يا منيوك، يا معفوج، فهذه ألفاظ صريحة توجب القذف، ولا يقبل من القاذف تأويلها. وأما إذا قذف بألفاظ الكناية مثل: يا مخنث، يا قحبة، يا ديوث، زنت يداك، يا فاجر، فضحتِ زوجكِ، أو غطيتِ رأسه أو نكستِ رأسه، أفسدتِ فراشه، ونحو ذلك من الألفاظ المحتملة للتأويل فإنه يسأل عن معنى ذلك، فإن فسره بما يحتمله قُبل منه، ولا حد عليه لكن يعزر، وإن عجز عن تفسيره فعليه الحد. قال ابن قدامة رحمه اله: (وكلام الخرقي يقتضي أن لا يجب الحد على القاذف إلا بلفظ صريح لا يحتمل غير القذف، وهو أن يقول: يا زاني؛ أو ينطق باللفظ الحقيقي في الجماع، فأما ما عداه من الألفاظ، فيرجع فيه إلى تفسيره، لما ذكرنا في هاتين المسألتين، فلو قال لرجل: يا مخنث، أو لامرأة: يا قحبة، وفسره بما ليس بقذف، مثل أن يريد بالمخنث أن فيه طباع التأنيث والتشبه بالنساء، وبالقحبة أنها تستعد لذلك، فلا حد عليه؛ وكذلك إذا قال: يا فاجرة، يا خبيثة؛ وحكى أبو الخطاب في هذا رواية أخرى، أنه قذف صريح، ويجب به الحد، والصحيح الأول؛ قال أحمد، في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف والشتيمة؛ قال ابن المنذر: الحد على من نصب الحد نصبا؛ ولأنه قول غير الزنا، فلم يكن صريحا في القذف، كقوله: يا فاسق؛ وإن فسر شيئا من ذلك بالزنا، فلا شك في كونه قذفا). 4- إثبات جريمة القذف: يثبت القذف كغيره من الحدود، بالإقرار والشهادة. والمراد بالإقرار هنا: أن يقر القاذف بأنه رمى المقذوف بالزنا ظلما؛ وإذا أقر بالقذف فقد لزمه، لأنه حق لآدمي لا يجوز الرجوع عن الإقرار به. والمراد بالشهادة: أن يشهد رجلان عدلان، أنهما سمعا القاذف وهو يقذف المقذوف بالزنا؛ ولا تقبل فيه شهادة النساء كسائر الحدود. 5- ضبط اعتراف القاذف: إذا اعترف القاذف وجب على المحقق ضبط اعترافه بكل دقة وفقا لما قال، وبعبارات صريحة وواضحة بحيث يشمل الاعتراف ألفاظ القذف، لأن هناك عبارات يعتقد أنها قذف وليست بقذف، وكذلك اسم المقذوف، وأسباب القذف. 6- تحريك دعوى القذف: يشترط في إقامة دعوى القذف مخاصمة المقذوف، أن يتقدم المقذوف بشكواه، فإذا قُدمت الشكوى من غيره لم يجز أن تقام الدعوى على أساس شكوى الغير، كذلك لو تقدم الشهود بشهادتهم حسبة لله لم تقبل منهم الشهادة، لأن الشهادة لا تقبل قبل قيام الدعوى، والدعوى هنا لا تقوم إلا بشكوى المقذوف. 7- عقوبة القذف: للقذف عقوبتان ثابتتان بنص الكتاب: إحداهما: الجلد وهو العقوبة الأصلية للقذف، فيجلد الحر ثمانين جلدة، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور 4] وينصف في حق العبد عند الجمهور، وليس لأحد إسقاط عقوبة القذف أو العفو عنها، سوى المقذوف، لأنها حقه. والأخرى: عقوبة تبعية وهي عدم قبول الشهادة لقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور 4]. وعقوبة القذف تسقط بإسقاط المقذوف لها لأنها حق خاص له، لا يُنفذ ولا يقام إلا بطلب منه. .221- قرينة: 1- التعريف:القَرِينَةُ في اللغة: مأخوذة من الاقتران، وهو المصاحبة، وقارن الشيء بالشيء ربطه به وضمه إليه، وتجمع القرينة على: قرائن. وفي اصطلاح الفقهاء: هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا فتدل عليه. وعرفها الجرجاني: بأنها أمر يشير إلى المطلوب. وعرفت بأنها: استنباط أمر مجهول من أمر معلوم بناء على الغالب من الأحوال. 2- مشروعية الاستدلال بالقرائن: ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية الاستدلال بالقرائن، مستدلين بالكتاب، والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف 18]. قال ابن العربي رحمه الله: (الآية الثالثة قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف 18]. فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم، فروي في الإسرائيليات أن الله تعالى قرن بهذه العلامة علامة تعارضهما؛ وهي سلامة القميص في التلبيب؛ والعلامات إذا تعارضت تعين الترجيح، فيقضى بجانب الرجحان، وهي قوة التهمة لوجوه تضمنها القرآن، منها طلبهم إياه شفقة، ولم يكن من فعلهم ما يناسبها، فيشهد بصدقها، بل كان سبق ضدها، وهي تبرمهم به. ومنها أن الدم محتمل أن يكون في القميص موضوعا، ولا يمكن افتراس الذئب ليوسف، وهو لابس للقميص ويسلم القميص من تخريق وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات وتعارضها). وقال الجصاص رحمه الله: (قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} يدل على أن يعقوب عليه السلام قطع بخيانتهم وظلمهم وإن يوسف لم يأكله الذئب لما استدل عليه من صحة القميص من غير تخريق، وهذا يدل على أن الحكم بما يظهر من العلامة في مثله في التكذيب أو التصديق جائز; لأنه عليه السلام قطع بأن الذئب لم يأكله بظهور علامة كذبهم). ومن السنة ما جاء في الصحيحين، من قصة ابني عفراء لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «هل مسحتما سيفيكما»؟ قالا: لا، قال: «فأرياني سيفيكما». فلما نظر فيهما، قال لأحدهما: «هذا قتله وقضى له بسلبه». قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع، فالدم في النصل شاهد عجيب. وبالجملة: فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة مجموعة). 3- قوة القرائن في الدلالة: القرائن منها ما يقوى حتى يفيد القطع، ومنها ما يضعف، ويمثلون لحالة القطع بمشاهدة شخص خارج من دار خالية خائفا مدهوشا في يده سكين ملوثة بالدم، فلما وقع الدخول للدار رئي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت يتشخط في دمائه، فلا يشتبه هنا في كون ذلك الشخص هو القاتل، لوجود هذه القرينة القاطعة. وأما القرينة غير قطعية الدلالة ولكنها ظنية أغلبية، فمنها القرائن العرفية أو المستنبطة من وقائع الدعوى وتصرفات الخصوم، فهي دليل أولي مرجح لزعم أحد المتخاصمين مع يمينه متى اقتنع بها القاضي ولم يثبت خلافها. والمقصود أن الشريعة لا ترد حقا ولا تكذب دليلا ولا تبطل أمارة صحيحة. 4- القرائن المعتبرة في الحدود: تختلف القرائن المعتبرة في الحدود- عند من يقول بها- من حد لآخر. فالقرينة المعتبرة في الزنى: هي ظهور الحمل في امرأة غير متزوجة، أو لا يعرف لها زوج؛ والقرينة في شرب المسكر: الرائحة، والقيء، والسكر، ووجود الخمر عند المتهم؛ وفي السرقة وجود المال المسروق عند المتهم، ووجود أثر للمتهم في موضع السرقة وغير ذلك. 5- القرائن الحديثة: من القرائن الحديثة: البصمات، والتحاليل المخبرية، وتشريح الجثث، والصور الفوتوغرافية، وتسجيل الأصوات. |